لماذا خفضت «فيتش» التصنيف الائتماني لأمريكا.. وما تأثيره على النظام المالي العالمي؟

241 03-08-2023

اقتصاد   الولايات المتحدة  

وجهت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، صدمة كبيرة للأمريكيين بتخفيض التصنيف الائتماني للبلاد، إذ أحدث خفض التصنيف الائتماني للبلاد للمرة الثانية فقط في تاريخها، هزة في البلاد وفي النظام المالي العالمي بأسره. لقد جرّدت مؤسسة «فيتش ريتنغز» للتصنيف الائتماني الولايات المتحدة الأمريكية من تصنيفها الائتماني السيادي من الدرجة الأولى، في تكرار لإجراء مشابه اتخذته «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغز» قبل أكثر من عقد.

شارك :


وجهت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، صدمة كبيرة للأمريكيين بتخفيض التصنيف الائتماني للبلاد، إذ أحدث خفض التصنيف الائتماني للبلاد للمرة الثانية فقط في تاريخها، هزة في البلاد وفي النظام المالي العالمي بأسره. لقد جرّدت مؤسسة «فيتش ريتنغز» للتصنيف الائتماني الولايات المتحدة الأمريكية من تصنيفها الائتماني السيادي من الدرجة الأولى، في تكرار لإجراء مشابه اتخذته «ستاندرد آند بورز غلوبال ريتنغز» قبل أكثر من عقد.

وقد جاء خفض التصنيف في المرتين، على خلفية المواجهات الحادة بين السياسيين بشأن سقف الدين ومعدلات الاقتراض. إلا أن التاريخ يعلمنا أن تأثير هذه الخطوة في الأسواق المالية، قد يكون مؤقتاً، لكن مع ذلك، قد توفر ذريعة لمزيد من المواجهات السياسية.


1 - لماذا خفضت «فيتش» تصنيف الولايات المتحدة؟

أوضحت «فيتش» أن قرار خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة درجة واحدة إلى (+AA)، جاء بسبب «تذبذب منظومة إدارة البلاد»، الذي «تَجلَّى في المواجهات المتكررة حول سقف الديون، وصدور قرارات في اللحظات الأخيرة». يُعزى ذلك إلى أن الولايات المتحدة تتعرض كل بضعة أعوام -نتيجة السياسة التي أقرتها بنفسها- لاحتمال التخلف عن سداد الديون.

وأقرّ القانون الصادر في عام 1917 حدّاً إجماليّاً ثابتاً بالدولار الأمريكي للاقتراض (أو ما يُعرف باسم سقف الدين)، لا يمكن زيادته إلا بموافقة الكونغرس الأمريكي ورئيس الولايات المتحدة.

ونتيجة لهذا استمر شبح التخلف عن السداد في التخييم على الولايات المتحدة خلال النصف الأول من 2023، بعدما اقتربت البلاد بصورة خطيرة من سقف الديون البالغ 31.4 تريليون دولار تقريباً، وتأخر السياسيون (بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري) في التوصل إلى قرار حتى اللحظات الأخيرة.

وسُوّيَت الخلافات في أواخر مايو الماضي، لكنها فاقمت حالة عدم اليقين حول مدى التزام القادة السياسيين الأمريكيين التخلي عن حالة الاستقطاب السياسي الخطيرة، والوفاء بسداد السندات في موعدها، في ظل تزايد أعباء الديون.


قال ريتشارد فرنسيس كبير مديري التصنيفات السيادية في وكالة فيتش للتصنيف الائتماني لرويترز، إن فيتش اتخذت قرارها بخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة بسبب المخاوف المالية وتدهور الحوكمة وحالة الاستقطاب الذي ظهرت جلية في توترات السادس من يناير.


وقال فرنسيس إن الوكالة استندت في قرارها لأسباب منها التدهور الملحوظ في الحوكمة الأمريكية والذي أكد أنه يقلل من الثقة في قدرة الحكومة على معالجة المسائل المالية والديون.

انعكس هذا التدهور، بالإضافة إلى زيادة الاستقطاب السياسي في البلاد، على أحداث العنف التي وقعت في السادس من يناير والذي سلطت عليه الوكالة الضوء خلال مناقشاتها مع وزارة الخزانة.

كانت فيتش قد عقدت اجتماعات مع وزارة الخزانة قبل خفض التصنيف.

وقال فرنسيس «سلطنا الضوء على ذلك لأنه لم يكن سوى انعكاس لتدهور الحوكمة، وهذا واحد من عدة (أسباب)».

وأضاف «هناك سقف الدين، هناك أحداث السادس من يناير. وبشكل واضح، إذا نظرت إلى الاستقطاب في الحزبين... ذهب الديمقراطيون إلى اليسار بينما مال الجمهوريون بدرجة أكبر صوب اليمين، مما أدى بشكل أساسي إلى إضعاف (تيار) الوسط نوعا ما».


2 - ماذا يعني تصنيف +AA؟

ينخفض تصنيف (+AA) درجة واحدة فقط عن (AAA)، ما يعني أن الولايات المتحدة لم تعد صاحبة ما تعرّفه «فيتش» بأنه «أعلى جودة ائتمانية». فيما تشير «فيتش» إلى أن تصنيف (AA) يدل على أن «توقعات وجود مخاطر تخلف عن السداد محدودة للغاية»، إلا أن هذا يشكل تراجعاً عن «أدنى توقع لمخاطر التخلف عن السداد» لمقترضين مصنفين (AAA).

على نفس المنوال يُحدَّد التصنيف الأعلى فقط مع حالات توافر «القدرة القوية الاستثنائية» للوفاء بالالتزامات المالية، في حين تشير مستويات الائتمان من الفئة (AA) إلى توافر «قدرة قوية للغاية»، حسب وكالة «فيتش».

وعالمياً، تُعَدّ «فيتش» أصغر مؤسسات التصنيف «الثلاث الكبرى» التي تتضمن أيضاً وكالتي «موديز إنفيستورز سيرفيس» و«ستاندرد آند بورز».


3 - كيف تُصنَّف السندات الحكومية؟

تصنّف مؤسسات التصنيف الائتماني حجم القوة المالية للجهات التي تُصدر السندات -بما فيها الحكومات- وتمنحها درجات ائتمانية تحدد مدى قدرتها على الوفاء بمدفوعات الديون.

يعتمد المستثمرون عادة على هذه التصنيفات الائتمانية عند اتخاذ قرار بشراء أي سندات، كما يمكن أن تؤثر هذه التصنيفات بشدة في مقدار العوائد التي تدفعها الجهات المقترضة لجمع الأموال في أسواق رأس المال.

مع ذلك، فإن عوائد السندات الأمريكية منخفضة بفضل الطلب على كل من الدولار (العملة الاحتياطية العالمية) وسندات الخزانة الأمريكية التي يُنظر إليها باعتبارها معياراً عالمياً للأصول الخالية من المخاطر.


4 - كيف ستتأثر الأسواق؟

عقب خفض وكالة «ستاندرد آند بورز» التصنيف الائتماني للحكومة الأمريكية في 2011، برزت مخاوف حول مدى قوة الاقتصاد الأمريكي، في وقت كانت فيه أوروبا تمرّ بأزمة ديون سيادية. مع ذلك كان لهذه الخطوة تأثير محدود على المدى الطويل، إذ أقبل المستثمرون على الأصول الأمريكية مجدداً، وتراجعت عوائد الديون الحكومية الأمريكية بنهاية 2011.

وعجز الميزانية الأمريكية يقفز إلى 421 مليار دولار في 3 أشهر.. ويعود الفضل في ذلك جزئياً إلى أن الاقتصاد الأمريكي حافظ على زخمه، فيما كان الاتحاد الأوروبي في الوقت ذاته يعاني من أجل المحافظة على الاتحاد القائم على استخدام العملة الموحدة. والآن يتكرر المشهد مجدداً، إذ تشعر الأسواق المالية بمخاوف إزاء الاقتصاد الأمريكي، لكن التركيز ينصبّ هذه المرة على دورة التشديد النقدي ورفع أسعار الفائدة لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي بوتيرة هي الأقوى منذ عقود لكبح التضخم.

نتيجة لذلك، يُرجَّح أن تكون خطوات الفيدرالي وهبوط أسعار الفائدة الأمريكية أكثر تأثيراً بكثير من خفض تصنيف وكالة «فيتش». على الجانب الآخر، لا تزال وكالة «موديز» تضع الولايات المتحدة عند أعلى تصنيف لها، وهو أمر بات أكثر أهمية الآن بعد خفض تصنيف «فيتش».


5 - ماذا يعني هذا للتصنيفات الأخرى؟

يتضاءل عدد الدول الموجودة في صدارة ترتيب الجدارة الائتمانية، ولا تزال أستراليا وألمانيا وسنغافورة وسويسرا تتمتع بأعلى التصنيفات من كل مؤسسات التصنيف الكبرى الثلاث، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبرغ، كما منحت وكالة «فيتش» كندا تصنيف (+AA).

أما الصين -ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة- فلديها تصنيف (+A) من «فيتش»، أي أقلّ بثلاث درجات من أمريكا. وقد يستند تصنيف دولة ما إلى أعلى معدل تحصل عليه الشركات في هذه الدولة، لا تصنيفها عموماً.

أيضاً تقلصت قائمة الشركات التي حصلت على تصنيفات (AAA) من أي واحدة من مؤسسات التصنيف الكبرى الثلاث، لكن هذه القائمة لا تزال تنطوي على بعض الشركات الأمريكية، مثل «مايكروسوفت» و«جونسون آند جونسون».