تظهر بين الحين والآخر دعاوى تطالب بـ«أهمية استغلال التماسيح النيلية عبر صيدها واستغلال جلودها»، معتبرة أنه «استثمار مهمل»، فى مقابل مطالب أخرى بضرورة الالتزام بالاتفاقيات الدولية التى تحمى التنوع البيولوجى، وتحافظ على «التوازن البيئى»، فى حين يبرز مسار ثالث لفض الاشتباك وهو كيفية الخروج بحلول للاستفادة من منتجات التماسيح النيلية فى حالة التوجه نحو الترخيص بإقامة مزارع لتربية التماسيح وفقًا للتراخيص الدولية المعتمدة من اتفاقية سايتس للحفاظ على الحياة البرية، من خلال مخاطبة الجهات الدولية والبدء فى تنفيذ برنامج وطنى لإقامة هذه المزارع بعيدًا عن بحيرة ناصر معقل التماسيح.
وتفتح «المصرى اليوم» قضية «تماسيح النيل» إذ أكد خبراء فى البيئة أنه فى حالة حصول مصر على تراخيص دولية بشأن إقامة هذه المزارع وفقًا للمعايير الدولية ستكون حلًا اقتصاديًا يدر ملايين الدولارات من تجارة مشروعة لمنتجات التمساح النيلى، ويمكن الاستفادة منها فى إقامة العديد من المشروعات التى تضيف عائدًا كبيرًا من العملات الأجنبية للاقتصاد القومى، مؤكدين أن الترخيص بإقامة مزارع تماسيح يسمح بتربية وإنتاج التماسيح وتصدير منتجاته وفقًا للمعايير الدولية التى تحددها اتفاقية سايتس لحماية الحيوانات المهددة بالانقراض. وطالب خبراء البيئة باعتماد اشتراطات لترخيص مزارع إنتاج التماسيح، وفقًا لضوابط معتمدة.
ويوجد ٢٤ نوعًا من التماسيح بالمياه العذبة والمالحة، ويعد التمساح النيلى أشهر أنواع التماسيح، وموطنه إفريقيًا الاستوائية وشبه الاستوائية.
خبير حياة برية: التخلص من التماسيح يقضى على الأسماك خلال ٥ سنوات
يقول الدكتور إيهاب هلال، الخبير فى الحياة البرية، الأستاذ فى معهد صحة الحيوان، إن عدد التماسيح النيلية فى تناقص مستمر وإنه بناء على دراسة فى عام ٢٠١٨، كان عددها لا يزيد على ١٥ الف تمساح، مختلفة الأعمار والأحجام، علمًا بأن عدد التماسيح التى تزيد على ٢.٥ متر لا يتعدى ٢٠٪ من العدد الكلى.
ويكشف «هلال» أنه لو تمت إزالة التمساح النيلى من بحيرة ناصر، سوف يحدث خلل بيئى وقد تنفق جميع الأسماك خلال ٥ أعوام تقريبًا، لما للتمساح النيلى من دور مهم فى الحفاظ على التوازن البيئى وعدم انتشار الأمراض بين الأسماك وتنظيف البيئة من الكائنات النافقة، كما تقوم التماسيح بدور مهم فى الحفاظ على البيئة التى تعيش فيها نظيفة وتقليل احتمالية انتشار الأمراض لتغذيتها على جثث الحيوانات والأسماك النافقة.
ويلفت «هلال» إلى أن التماسيح النيلية تلعب دورًا هامًّا فى الحفاظ على التوازن البيئى لكونها على قمة الهرم الغذائى، وتحافظ على الأسماك الموجودة فى أعالى النيل وبحيرة ناصر فى أعلى صورها من ناحية النمو والصحة لأنها تتغذى على الأسماك المصابة التى قد تحمل بعض التشوهات الخلقية، كما أن التماسيح لا تتناول غذاءها بشكل يومى لبطء عملية الهضم لديها.
ويضيف «هلال» أنه تم إدراج التمساح النيلى بالملحق الثانى بالاتفاقيات الدولية ومنها اتفاقية سايتس عام ٢٠١٠ فى مؤتمر الأطراف لاتفاقية الحماية الدولية سايتس (CoP١٥)، بدون حصة تصديرية من التماسيح البرية، موضحًا أنه للاستفادة من التمساح النيلى، يجب التشجيع على إنشاء مزارع للتماسيح.
ويوضح الخبير فى الحياة البرية أنه بمراعاة مدة تربية التماسيح من الفقس حتى التسويق ٢.٥ سنة وصولًا إلى عمر البلوغ ١٣ سنة تقريبًا فإنه يجب تقليل تكاليف التغذية بقدر الإمكان، ويفضل إنشاء مزرعة تربية التماسيح بجوار محطات أو مجازر الدواجن، ويمكن تغذيتها على مخلفات مجزر الدواجن أو النافق من محطات الدواجن.
ويشير «هلال» إلى أن العمر التسويقى لجلد التمساح عند عمر ٢.٥ سنة، ويمكن عند هذا العمر تصدير لحم التمساح، بعد تسجيل المنشأة فى سكرتارية اتفاقية سايتس فى جنيف، مشيرًا إلى أنه فى هذه الحالة يحصل المنتج (جلد أو لحوم) على شهادة سايتس من إدارة الحياة البرية بهيئة الخدمات البيطرية، ويمكن تصديره إلى الخارج، ويبلغ سعر جلد التمساح (منطقة البطن فقط) ١٥٠ دولارًا/ قدم مربعة.
ويلفت الخبير فى الحياة البرية إلى انتشار التمساح النيلى فى ٢٦ دولة إفريقية، ويتراوح وزنه بين ٢٠٠ كجم و١٠٠٠ كجم، بينما تعد الأنثى أصغر حجمًا من الذكر، حيث تبيض الأنثى مرة كل عامين وأحيانا ثلاثة، موضحًا أن أنثى التمساح تضع ٤٠ بيضة فى المتوسط خلال موسم التكاثر، ديسمبر إلى فبراير، بالنسبة للتماسيح فى بحيرة ناصر ويفقس البيض بعد ٩٠ يومًا تقريبًا.
ويضيف «هلال» أنه يتحدد جنس الفقس حسب درجة حرارة التربة أثناء حضانة البيض خاصة فى الشهر الثانى من الحضانة حيث تكون درجة الحرارة المثلى بين ٣١.٧ °مئوية و٣٤.٥ ° مئوية، ويكون الفقس ذكورًا وإناثًا، وإذا نقصت أو زادت الحرارة على ذلك، يكون الفقس إناثًا، موضحا أنه يصل إلى عمر البلوغ من الفقس بكل عش، اثنان إلى ثلاثة تماسيح فقط، نظرًا لتعرض التماسيح الصغيرة للصيد أو الافتراس من أعدائها من الطبيعية.
خبير دولى: مشروعات استغلال تماسيح بحيرة ناصر تهدد النظام البيئى
يحذر الدكتور مجدى علام، الخبير الدولى فى شؤون البيئة، من أى محاولات غير قانونية لإقامة مشروعات تستهدف استغلال التماسيح فى بحيرة ناصر، لتحقيق أرباح اقتصادية بالمخالفة للاتفاقيات الدولية، مضيفا: «نحن ضيوف على تمساح النيل ونهر النيل من مصبه إلى منبعه هو بيت التماسيح».
ويقول «علام»: «ليس ذنب التماسيح أن ينشئ جمال عبدالناصر السد العالى ليمنع حركة التماسيح إلى المصب، والتى اعتادت عبر التاريخ الطويل لمصر، المرور من منابع النيل إلى المصب فى البحر المتوسط، وأنه ليس من المستبعد أن تصل التماسيح إلى نهر النيل وفروعه بعد السد العالى لأنه لا يمكن التحكم فيها رغم الإجراءات والمعوقات التى تمنع مرورها من بحيرة ناصر إلى ما بعد السد العالى، لدرجة أنها تمر أحيانا من توربينات السد فى إشارة إلى أنها «تمد لسانها» لكل من يمنعها من المرور على امتداد نهر النيل.
ويضيف الخبير الدولى فى شؤون البيئة أنه لا يمكن لأحد أن يغلب التماسيح لأن التمساح النيلى هو جزء من النظام البيئى، وهو مثل الطيور المهاجرة التى تمر هجرتها من الشمال إلى الجنوب من خلال ٥ مسارات خلال فصلى الصيف والشتاء بين مصر وأوروبا ولا يمكن أن نتحكم فيها، والقوانين المصرية تحمى هذه الطيور ولا تحمى التماسيح.
ويشدد «علام» على أهمية التكامل بين الكائنات الحية والنباتات والمصادر المائية، لأن التماسيح لا تبقى فى المياه المالحة وتبقى فى المياه العذبة، وتنتشر على مساحة ٥٠٠ كم وهى مساحة تزيد على أكبر منابع النيل ومن الصعب منعها، بالإضافة إلى صعوبة حصر عدد التماسيح، فى أماكن تواجدها فى الأحراش من خلال ١٢ نظامًا بيئيًا؛ سوى من خلال الصيد وهو مرفوض عالميًا، وهو مدرج ضمن النشرة الحمراء فى صندوق حماية الطبيعة فى سويسرا وجزء منها اتفاقية سايتس لحماية الحيوانات المهددة بالانقراض.
ويلفت الخبير الدولى فى شؤون البيئة إلى أنه يتم شكوى الدولة المخالفة لاتفاقية حماية التنوع البيولوجى ومقرها فى جنيف، وتقع تحت طائلة مخالفة الاتفاقيات الدولية ومنها ٣ اتفاقيات تلزم مصر بالحفاظ على الكائن الحى وعدم تدميره وهى اتفافيات حماية التنوع البيولوجى ومكافحة التصحر والمناخ بخلاف اتفاقية مصادر المياه للاستفادة من مصادر المياه من المنبع إلى المصب.
ويشدد «علام» على أن نظام التكاثر لتماسيح النيل لا يشكل تهديدًا للنظام البيئى، أو حدوث خلل فى حالة زيادة أعداد التماسيح، ما يعنى أن هذه التماسيح تحتاج إلى تكاتف الجهود وحمايتها وليس استغلالها بما يخالف قانون الطبيعة أو القوانين الدولية، مشيرًا إلى أنه فى حالة مخالفة هذه الاتفاقيات توقع غرامات ضخمة على الدولة المخالفة لتورطها فى خسارة النظم البيئية والإنذار ومنعها من الاستفادة من هذه الاتفاقيات.
نقيب الزراعيين يقترح إنشاء مدينة لمزارع التماسيح المعتمدة وفقًا لمعايير «سايتس»
يؤيد الدكتور سيد خليفة، نقيب الزراعيين، قيام وزارة الزراعة بمنح تراخيص لإقامة مزارع لإنتاج التماسيح من خلال إدارة الحياة البرية التابعة لوزارة الزراعة، باعتبارها إحدى الجهات المسؤولة عن حماية الحياة البرية والحيوانات المهددة بالانقراض ومنها التماسيح وفقًا لضوابط اتفاقية «سايتس» المشددة ويتم تنفيذها بالتعاون مع وزارة البيئة والأجهزة المعنية بمختلف الوزارات وخاصة الجهات الأمنية والشركة الوطنية للثروة السمكية والأحياء المائية.
ويقول نقيب الزراعيين، إن إقامة مزارع إنتاج التماسيح لا تتعارض مع اتفاقية «سايتس» الدولية لحماية الحياة البرية التى وقعت عليها مصر، وهى اتفاقية دولية تضم كل دول العالم «كل دولة حسب كميات التماسيح والأعداد لديها»، للحفاظ على التماسيح ضمن مدينة متكاملة الأنشطة تضم مزارع التماسيح.
ويضيف «خليفة» أن مصر نجحت فى السماح بنقل التماسيح من الملحق المحظور وفقًا لاتفاقية «سايتس» للحفاظ على الحياة البرية من خطر الانقراض للملحق المسموح واستغلال التماسيح اقتصاديًا وفقًا لبرامج إكثار فى هذه المزارع خارج مناطق التربية الطبيعية فى بحيرة ناصر، لافتًا إلى أن إنشاء مزارع التماسيح سيكون له جدوى اقتصادية على كافة المستويات الاقتصادية والترويج السياحى والإنتاج الصناعى.
ويشير نقيب الزراعيين إلى أن ١١ دولة إفريقية تمكنت من نقل التمساح إلى الملحق «ب» باتفاقية «سايتس» الذى يسمح بالاتجار فيه باشتراطات معينة، و٧ دول منها مسموح لها بتصدير ١٦٠٠ جلد فى العام ضمن كوتة حددتها اتفاقية «سايتس»، ودولتان هما زامبيا وزيمبابوى حصة تصديرهما مفتوحة، ودولتان فقط ليس لهما حصة وهما بتسوانا ومصر من إجمالى ٤١ دولة بإفريقيا يتواجد بها التماسيح.
ويشير «خليفة» إلى أن ترخيص مزارع إنتاج التماسيح وإبلاغ الاتفاقية الدولية بهذه التراخيص يسمح لمصر بتصدير والاتجار فى منتجات التماسيح، مشددًا على أهمية إقامة مدينة لمزارع التماسيح تكون تحت رقابة الدولة، ويتم الاستثمار الضخم فى هذه المدينة لضمان التنوع فى المردود الاقتصادى للمشروع.
ويلفت نقيب الزراعيين إلى أنه يمكن الاستفادة من مشروع مزارع إنتاج التماسيح باستخدام المشروع كمزار سياحى يأتى إليه السياح لمشاهدة التماسيح التى يتعذر رؤيتها من خلال بحيرة ناصر فى محافظة أسوان لضمان تنوع المزارات السياحية فى أسوان، مشيرًا إلى ضرورة إجراء اتصالات مع العديد من الدول الإفريقية الخبيرة فى مجال مزارع التماسيح من أجل الاستفادة من خبراتها فى هذا المجال البكر.
ويختتم «خليفة» حديثه بأن إنشاء مزارع لإنتاج التماسيح لا بد أن يتم من خلال رقابة صارمة على هذه المزارع، موضحًا أن منح تراخيص لمزاولة هذه الأنشطة يساهم فى الحد من عمليات التهريب والاتجار فيها بطرق غير شرعية.