مع تزايد الضغوط على النظام البيئى والاتجاه المتنامى نحو اقتصاد أكثر انسجامًا مع البيئة، اكتسب الاقتصاد الأخضر زخمًا كبيرًا خلال الفترة الأخيرة، لتعتمد مصر نهجًا استباقيًا من أجل تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادى واستدامة الموارد الطبيعية والبيئية، عبر تبنى سياسات وخطط ومبادرات من شأنها رفع كفاءة استخدام الموارد، وتنفيذ العديد من المشروعات الصديقة للبيئة.
الدولة أطلقت كذلك في عام 2020 إصدارها الأول من السندات الخضراء في بورصة لندن للأوراق المالية، في وقت عُدَّ فيه هذا الطرح للسندات الخضراء السيادية البالغ 750 مليون دولار لأجل خمس سنوات، الأكبر بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تستهدف الدولة الوصول بحجم الاستثمارات الخضراء إلى نحو 50٪ من الاستثمارات العامة بحلول عام 2025.
وفى ظل توجه مصر بقوة لدعم هذا القطاع، لعبت البنوك العاملة في السوق المصرية دورًا مهمًا في دعم وتمويل الشركات العاملة في الاقتصاد الأخضر، خاصة أنه لا يمكن تحقيق الاستدامة من دون القطاع المصرفى الذي يوجه التمويل للمشروعات صديقة البيئة.
وفى عام 2022، أصدر البنك المركزى المصري، تعليمات مُلزمة بشأن التمويل المُستدام والتى تعد إحدى الخطوات الفعالة لتعزيز دور القطاع المصرفى في تحقيق رؤية الدولة والدفع بعجلة التحول نحو الاقتصاد الأخضر ومواجهة المخاطر البيئية والاجتماعية، تمشيًّا مع التوجه الوطنى لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في ضوء رؤية مصر2030، وإيمانًا بالدور المهم للتمويل المُستدام في دعم الاستقرار المالى والمصرفى.
وتضمنت التعليمات عدة محاور رئيسية، منها إنشاء إدارة مستقلة للاستدامة والتمويل المُستدام بكل بنك، فضلًا عن إلزام البنوك بإدراج سياسات وإجراءات تنفيذية خاصة بالتمويل المُستدام ضمن السياسات الائتمانية والاستثمارية للمصرف، إضافة إلى الاستعانة باستشارى بيئى لتقييم مشاريع الشركات الكبرى المُزمع تمويلها من المنظور البيئى، وإعداد تقارير دورية في هذا الشأن.
البنك المركزى أوضح أنه تم إعداد التعليمات وفقًا لأفضل الممارسات الدولية، وبما يلائم القطاع المصرفى المصرى، وذلك عملاً على توجيه القطاع نحو تمويل أنشطة اقتصادية أكثر استدامة، الأمر الذي من شأنه تعزيز الفرص الاستثمارية وبالأخص جذب شريحة جديدة من المستثمرين المهتمين بالقطاعات التي تُعزز مبادئ التنمية المستدامة، وتشجيع ضخ المزيد من العملات الأجنبية بالسوق المحلية. ولأن الاقتصاد الأخضر مسار مهم يتطلب تضافر جهود جميع جهات الدولة من الحكومة والقطاع الخاص والبنوك، توسعت البنوك في التمويل المستدام ودعم المشروعات الخضراء والصديقة للبيئة وفقًا للمعايير التي وضعها البنك المركزى.
هشام عكاشة، رئيس مجلس إدارة البنك الأهلى المصرى، قال إن الحفاظ على البيئة إحدى أولويات الدول حاليًا، خاصة أن التقارير الدولية تشير إلى وجود منحنى خطير للتغيرات المناخية، إذ إن الأضرار الناجمة عن التغيرات المناخية تقدر بـ8.5 مليار دولار، مشيرا إلى أن العالم يسعى منذ أكثر من ٣٠ عامًا إلى جذب أنواع جديدة من التمويل والمزيد من الاستثمارات لتحقيق التحول الأخضر.
وفيما يتعلق بالتمويل الموجه للتكيف، أشار «عكاشة» إلى أن التكلفة التقديرية للدول النامية في ذلك الإطار تبلغ نحو 70 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 500 مليار بحلول 2030، وأن تبلغ تكلفة تحقيق الأهداف الخاصة بالحياد الكربونى 4 تريليونات دولار بحلول عام ٢٠٥٠.
أضاف أن الحكومة المصرية تسعى لأن تكون نسبة الطاقة المتجددة 42٪ من إنتاج الطاقة، ويعكس ذلك مساهمة مصر في الجهود العالمية، موضحًا أن حجم الإنفاق الخاص بمصر في إطار التحول الأخضر بلغ ٢٤٦ مليار دولار في قطاعات النقل والطاقة، و٥٠ مليارا في قطاعى الرى والزراعة، وسعت الدولة لجذب المزيد من التمويلات الخضراء، إضافة إلى وضع إستراتيجية تلتزم بتحقيق أهداف الاستدامة.
ولفت إلى أن القطاع المصرفى التزم بجميع التعليمات التي أصدرها البنك المركزى المصرى التي شملت تشكيل اتحاد بنوك مصر للجنة التمويل المستدام دعمًا لتوجه الدولة ورؤية مصر 2030، إضافة إلى التزام جميع البنوك بالتعليمات فيما يتعلق بقياس البصمة الكربونية للأنشطة الداخلية بمبانيها الرئيسية وقضايا الاستدامة لزيادة القدرة على التحول نحو الاقتصاد الأخضر.
وأشار «عكاشة» إلى إصدار البنك الأهلى المصرى تقرير البصمة الكربونية والبيئية، وتقرير التأثير المجتمعى بجانب إصدار أول تقرير للصيرفة المسؤولة في مصر.
محمد الإتربى، رئيس مجلس إدارة بنك مصر، قال إن البنوك المصرية أصبحت لديها قطاعات من أجل الاستدامة صاحبتها أطر تنظيمية وتشريعية صادرة من البنك المركزى تراعى الأبعاد البيئية والاجتماعية ومعايير الحوكمة عند تمويل المشروعات، وفى الأنشطة الداخلية للبنك، اتساقًا مع رؤية مصر ٢٠٣٠.
لفت إلى أن اتحاد بنوك مصر أنشأ لجنة التمويل المستدام لتكون إحدى اللجان الدائمة بالاتحاد بهدف تفعيل دوره في المساهمة في وضع مصر على خريطة الدول الرائدة بمجال التمويل المستدام الذي يتيح فرصا واعدة لنمو المؤسسات المالية وبما يوفره من آفاق جديدة للتوسع وتحقيق نمو من خلال تمويل مشروعات الطاقة النظيفة والترشيد الأمثل لاستخدام الطاقة.
أشار «الإتربى» إلى نجاح اللجنة في التنسيق مع مؤسسة التمويل الدولية لعقد ورش عمل للمختصين بالبنوك حول إستراتيجية التمويل المستدام والتدريب على نظام الإدارة البيئية والاجتماعية. وأوضح أن البنوك نجحت في تعبئة الموارد المالية ومولت مشروعات التنمية المستدامة بمصر من خلال اكتشاف فرص استثمارية جديدة، ورفع كفاءة توجيه الاستثمارات وفقاً للأولويات التي تفرضها المتغيرات المتسارعة الحالية وتبنى العديد من الآليات والبرامج التمويلية المختلفة، فضلاً عن طرح البدائل التمويلية والحلول المبتكرة لتمويل التنمية.
أشار إلى أن قيمة محفظة مصر من المشاريع الخضراء المؤهلة للتنفيذ بلغت نحو 1.9 مليار دولار، منها نحو 16٪ في مجال الطاقة المتجددة ونحو 19٪ في مجال النقل النظيف، ونحو 26٪ في الإدارة المستدامة للمياه ومياه الصرف الصحي، ونحو 39٪ في مجال الحد من التلوث ومكافحته.
وأضاف أن هناك توجهًا لزيادة الاستثمارات الخضراء لتصل لنحو 50 ٪ في السنة المالية 2025/2024، إذ تصدرت المشروعات الخضراء قائمة المشروعات المستهدفة بمصر.
أشرف القاضى، الرئيس التنفيذى والعضو المنتدب للمصرف المتحد، قال إن حجم تمويلات بنكه الموجهة للاقتصاد الأخضر بلغت نحو مليار جنيه يتركز أغلبها بشكل أساسى في قطاع الزراعة، إضافة إلى مبادرة وزارة المالية لإحلال السيارات، مع توجيه جزء لقطاع الصناعة.
أشار إلى أن المصرف المتحد أصدر أول تقرير للبصمة الكربونية بـ3 مراكز رئيسية للبنك في 2022، كما أطلق منتج تمويل تحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعى على هامش معرض تكنولوجيا تحويل وإحلال المركبات للعمل بالطاقة النظيفة Go Green. وأعرب عن أن للبنوك دورا أساسيا في تمكين المؤسسات الاقتصادية وتعظيم دورها في تعزيز النمو الأخضر، وذلك من خلال فتح آفاق استثمارية جديدة أمام رجال الأعمال وتحفيزهم على الانتقال إلى تطبيق آليات الاقتصاد الأخضر مع مراعاة كاملة للمخاطر البيئية والتغير المناخى والتقييم الفعلى للمشروعات من منظور اقتصادى واجتماعى وبيئى.
علاء فاروق رئيس مجلس إدارة البنك الزراعى المصرى، أكد أن سياسة البنك قائمة بالأساس على الاستدامة، لافتًا إلى أن هناك 1100 فرع على مستوى القرى والنجوع لخدمة العملاء.
وقال إن البنك الزراعى نجح في زيادة حجم محفظته للتمويل الأخضر من 5 مليارات جنيه إلى 8 مليارات للأفراد، كما أطلق قروضًا لدعم المزارعين بفائدة 5٪، موضحًا أن محفظة البنك الائتمانية زادت من 33 مليار جنيه إلى 73 مليارا، والتى يتم توجيه أكثر من 80٪ منها إلى التمويل الزراعى.
ولفت إلى أن البنك يدعم المشروعات الخاصة بالرى الحديث، وزيادة إنتاجية الفدان، والتى تستهدف الوصول بالإنتاجية إلى ما بين 40 و60٪، مشيرًا إلى أن البنك الزراعى ضخ تمويلات في قطاع الطاقة المتجددة تبلغ نحو 100 مليون جنيه لـ343 عميلا، إضافة إلى 1.040 مليار جنيه تم تخصيصها لدعم مشروعات التحول إلى الرى الحديث لنحو 573 ألف فدان.
حسن غانم، الرئيس التنفيذى، العضو المنتدب لبنك التعمير والإسكان، قال إن مصرفه شارك بشكل فعال في دعم المشروعات الداعمة للاقتصاد الأخضر عبر طرح تمويلات بقيمة 2.5 مليار جنيه للشركات الكبرى تمثل نسبة جيدة من محفظة القروض.
أشار إلى أن القطاع الزراعى استحوذ على النصيب الأكبر من التمويلات المستدامة، إلى جانب مجال الرعاية الصحية، لافتا إلى أن التكلفة استثمارية للمشروعات الخضراء تجاوزت 40 مليار جنيه. أضاف أن مصر اتخذت العديد من الإجراءات التي تسهم في تعزيز الاقتصاد الأخضر بما يتمشى مع رؤية مصر 2030، لافتًا إلى أن البنك المركزى وضع ضوابط لتوجيه التمويل إلى أنشطة اقتصادية أكثر استدامة، ما كان له أثر إيجابى على الشركات وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وأوضح أن بنك التعمير والإسكان من أكثر المؤسسات إدراكا للمسؤوليات البيئية والاجتماعية وقواعد الحوكمة.